صنايعية مصر| «طلحا».. قرية  تصدير السجاد اليدوي بأيادي مصرية

صناعة السجاد اليدوي
صناعة السجاد اليدوي

◄ فن مصري أصيل توارثته الأجيال من العهد الفرعوني

◄ غلاء الخامات وضعف الأجور يهدد الصنعة بالانقراض

◄ عم مجدى : «تركت التعليم واتعلمت الصنعة وبقيت أسطى كبير .. بس الشغلانه مبقتش جايبه همها»

◄ الحاجة آيات : أنا شغالة أنا وجوزي في السجاد اليدوي منذ 40 سنة

◄ عم صلاح : محبناش نعلمها لعيالنا عشان ملهاش مستقبل

تصوير -محمد عادل حسني

السجاد اليدوى يعتبر أحد أقدم الحرف التي تعلمها وصنعها المصري منذ قديم الأزل، حيث بدأت الحرفة في الظهور منذ العصر الفرعوني،  وتواراثها صنايعية وحرفيي مصر جيل بعد جيل ليتميزوا به أمام العالم بفن لا يضاهي مثله في أي دولة، فمنذ أكثر من 5 آلاف عام قبل الميلاد، وتحديدًا في حضارة البداري، فى قرية  تدعى «الهمامية» بمحافظة أسيوط، عُثر  بها علي نقوش لصناعة السجاد اليدوى من الكتان والقطن، وهما المحصولان اللذان اشتهرت بهما مصر في العصور القديمة، لتبقي سر الصنعة للسجاد والمشغولات اليدوية المبدعة حكرًا على مصر وصنايعية مصر حتي تميزت قرى بعينها في تصدير منتجاتها للخارج.

وبالرغم من انخفاض المقبلين على العمل فى تلك المهنة، للأسف أصبحت صناعة السجاد اليدوى من المهن المهددة بالإنقراض فى مصر، فهي مهنة تورث ولا تدرس، فمن يعمل بها يكتسبها بالتعلم من شخص آخر، وليس عن طريق كتاب.

وتُعد قرية «طلحا» التابعة لمركز بنها بمحافظة القليوبية، القرية الوحيدة التي اشتهرت بالسجاد اليدوي بالمحافظة من تاريخ قديم واستمرت حتى الآن، بالرغم من المشاكل التي واجهت تلك الحرفة، وترك 90٪ من العاملين لنشاطهم، والبحث عن مصدر رزق آخر، ولكنها مازالت موجودة وتعمل فى السجاد اليدوى علي الرغم من انخفاض عدد العاملين بها، وضعف الإقبال فى الشراء، بالاضافة إلى ما  تعانيه من مشاكل متعلقة بإرتفاع أسعار الخامات، وطول مدة الإنتهاء من السجادة الواحدة.. إلا أنها تُعد من أهم قرى الصنايعية في مصر.

 

«الأخبار المسائي» عايشت العمال من داخل مصانع قرية طلحا، لرصد المشاكل التى تقابلهم، وكيفية انجاز  حرفتهم النادرة في صنع السجاد اليدوي.

وجدنا «عم مجدي» يجلس أمام نوله ويقوم بنسج الخيوط لتظهر  بعض ملامح السجادة التي يصنعها في أكثر من 4 أشهر لتخرج  فى شكلها النهائي مثلما هي على اللوحة المرسومة أمامه، جلسنا بجانبه وهو يغزل سجادة، وقام بتعليمنا كيفية العمل مثله، وأثناء ذلك وقال : «أنا فتحت عيني على الشغلانه دي.. قعدت فى المدرسة سنتين وخرجت منها ومن وقتها وأنا فى الورشة قولت اتعلم صانعة للمستقبل، كان عندي 8 سنوات، ولما اتعلمت العقدة واحدة واحدة بقيت اسطى كبير».

وأضاف «عم مجدي» قائلًا : «الشغل اليدوي لازم يكون دقيق جدًا، وأنا بعمل زي الرسمة الموجودة الموجودة أمامي، ممكن أخد فى السجادة الواحدة حوالى 3 شهور ونصف وتكون مساحتها 8 متر تقريبًا، مش بعرف اشتغل حاجة تانية، وشغال فيها أنا وزوجتي، وأغلب الناس فى القرية بيشتغلوا فى السجاد اليدوي».

واستكملت زوجته الحاجة عنايات الحديث قائلة : «للأسف الشغلانة دلوقتي مش جايبه همها، فالإقبال قل عن زمان، والناس مبقتش  تشتري السجاد اليدوي، ولكن هناك بعض الزبائن مازالوا يقبلون على شراء المنتجات اليدوية، وهناك من يأتون لشراء منتجاتنا ويتم تصديره للخارج، كان زمان تكلفتها جنيهات، لكن دلوقتى آلاف الجنيهات، وكانت يومية العامل 50 قرشًا».

وأضافت بنبرة حزن : «للأسف مفيش شغلانه تانية اشتغلها، ومضطره إني استحمل وأكمل فيها، لو كان فى شغلانه تانية كنت سيبتها، لأن الحاجة سعرها بيزيد حوالينا وإحنا واقفين زي ما إحنا».

وأشارت الحاجة صفاء إحدى العاملات فى الورشة، إلى أنهم يعملون بالإنتاج، والسجادة الواحدة تستغرق وقت طويل حتى الانتهاء منها، وهناك من يعملون من العمال فى  منازلهم، يأخذون معهم النول والخيوط والرسمة الخاصة بالسجادة، وبعد الانتهاء منها يأتون بها إلى المصنع ويحاسبه صاحب المصنع.

وأكدت قائلة : «لما السجادة بتخلص ببقى سعيدة بشكلها النهائي وكأني شايفه لوحة فنية أمامي، وأنا اللي بعمل النول اللي بشتغل عليه السجادة».

وبالإنتقال إلى الحاج صلاح وزوجته الحاجة آيات، كان كل منهم يقوم بغزل السجادة الموجودة أمامه، قالت الحاجة آيات : «ربيت عيالي وكبرتهم ،واشتغلت الشغلانه دي وأنا عندي سنوات، كانت أحوالها زمان أفضل من الآن، والإقبال عليها فى الشراء اختلف أيضًا، وقل من يقبلون على شرائها، ولم يعد أحد يتعلم هذه الحرفة لأن ليس لها مستقبل».

وأضافت أن زوجها عمل أيضا فى الحرفة وهو يبلغ من العمر 6 سنوات، وأنهم لم يتعلموا فى المدارس، بل أنهم فكروا فى تعلم حرفة من صغرهم، لمساعدة أهلهم، وعلمنا عيالنا فى المدارس، قائلة : «محبناش نعلم عيالنا نفس الحرفة عشان ملهاش مستقبل».

وقال الحاج صلاح : «المهنة مبقتش جايبه همها ومحدش بيتعلمها، لأن العائد الخاص بها لا يجازي تعبنا ساعات طويلة كل يوم، وبالرغم من أن القرية تشتهر بالسجاد اليدوي، إلا أن أصبح هناك هروب منها، ونعمل يوميًا من الساعة 7.30 صباحًا وحتى صلاة العصر، وهناك من يعملون من منازلهم، والسجادة الواحدة يصل سعرها إلى 25 ألف جنيهًا».

وأضافت الحاجة آيات أننا نفضل عمل أولادنا فى مهن أخرى، أفضل من العمل فى حرفة السجاد اليدوى، قائلة : «إحنا بتشتغل بالإنتاج، وبنتعامل بالخط، يعني على حسب مقدرتي للعمل خلال اليوم ممكن يكون رزقى فى اليوم 25 جنيه مثلا، وطبعا ده قليل جدا، وأغلب العاملين فى الحرفة كبار سن، لأن الشباب والصغار لا يقبلون على تعلمها، ويتجهوا لورش وحرف أخرى يحصل منها على يومية مناسبة».

الحاج سيد غنام صاحب مصنع للسجاد اليدوى بقرية طلحا، قال إنه بالنظر لأوضاع مهنة عمل السجاد اليدوى أصبح الوضع سئ، وتوقف عن العمل فيها حوالى 90 ٪ من الصنايعية، وكان قبل ذلك يوجد إقبال من قبل السائحين، ولكن نعانى حاليًا من ارتفاع أسعار الخامات المستخدمة وفى مقدمتها خيوط الحرير، وهو ما يهدد بانهيار الحرفة التى توارثها الكثير من أبناء القرية، وانخفض عدد العمال الذين يعملون بها.

وأضاف «غنام» أن هذه الحرفة بدأت فى القاهرة، وفى العباسية عند كلية الهندسة، وفى السيدة عائشة والحمزاوى، كان ذلك فى أواخر الخمسينات، كانت هناك مجموعة تعلمت الحرفة، وبعدها جاءوا قرية طلحا وكفر طلحا، وهم أكثر القرى التى تعمل فى هذه الحرفة، فباقى القرى أنهت العمل بها منذ أكثر من 20 عامًا، وقرية طلحا وكفر طلحا هم من استمروا فى العمل بها، مؤكدا اننا نعمل وفقا لرخصة وأوراق رسمية.

وأشار إلى أنه يعمل فى تلك المهنة من قبل السبعينات، وورثها أب عن جد، ولكن الأمور اختلفت عن سابقها، فالعمال يفضلون العمل فى مصانع أخرى باليومية افضل من العمل فى هذه المهنة لأنها لا تأتى همها.

«إحنا دلوقتى شغالين على شغل البيوت، يعنى مثلا عروسة بتجهز نفسها، وتطلب سجاد بمساحات معينة وألوان وخامات معينة، وأصبح العمل يأتى من خلال المعارف وكل شخص يقول لغيره، فيأتى للشراء من لدينا، كنا فى السنوات الماضية نعمل مع تجار، بمعنى أنه شغل على مستوى أكبر من الآن».

وأكد غنام أن العمال الذين يعملون فى تلك المهنة كبار فى السن، لأن الشباب يفضلون العمل فى حرف ومصانع أخرى للكسب الأكبر، وبالتالى فالمهنة  ليس عليها اقبال مثل ما كان عليه.

وقال إنهم يقومون بعمل التصميمات الخاصة بالسجاد، وأحيانا هناك بعض العمال الذين يعملون فى منزلهم ويأتون لتسليم انتاجهم.